.
صلاح الدين تكملة قصته
أحمد عرابى في الجمعة مارس 27, 2009 9:13 pm
."أرناط" وحصن الكرك (عام 578 هـ 1182م)
كان النصارى يسيطرون على فلسطين وجميع سواحل الفلسطينية تقريبا, لأن الساحل بالنسبة لهم كان أفضل مكان لوصول الإمدادت لهم من أوروبا بالسفن, وكان أعظم حصون النصارى هو حصن الكرك, وهو حصن بين الشام ومصر, في موقع استراتيجي هام جداً وكان يمثل عقبة حقيقية فلي طريق تحركات الجيوش العربية بين الشام ومصر, فرأى صلاح الدين أن وجود هذا الحصن بأيدي النصارى يمنع توحيد قواته, وكان ملك الحصن نصراني اسمه " أرناط" وشعر هذا القائد بأن صلاح الدين سوف يبدأ باستهداف حصن الكرك, فجعل يفكر بخطة يشغل بها صلاح الدين عن تهديد حصن الكرك والوجود النصراني في المنطقة ككل, ويمنعه من توحيد جيوشه استعدادا لمعركة حاسمة, ففكر أن يصرفه إلى معركة جانبيه تماما, ووصل هذا الخبيث بأفكاره إلى أن يغزو مكة والمدينة, وبدأ يعد جيشا من داخل الكرك ليحركه نحو مكة والمدينة, وفي أثناء ذلك وصلت هذه الفكرة الخبيثة إلى مسامع والي دمشق "عز الدين" فأراد أن يبادر " أرناط" بالهجوم ليمنعه من تطبيق فكرته فجهز جيشا سريعا ووجهه نحو الكرك, وكان لايقصد بذلك فتح المدينه فهي منيعة جدا ولا يمكن فتحها بجيش صغير, لكن هدف والي دمشق هو إِشغال " أرناط" عن تنفيذ هذه الفكرة الخطرة, وفعلا هجم والي دمشق على حصن الكرك وبدأ يكبدهم خسائر كبيرة, ويهدم ماحولهم ويحرق المزارع, ثم ينسحب قليلا ويعاود الكرة, فاضطر "أرناط" أخيرا أن ينسحب ويتحصن في الكرك ويتخلى عم الفكرة أو على الأقل يؤجلها.
الانتقام للحجيج (عام 582 هـ 1186 م) :
في هذا العام يقدم " أرناط " على خطأ فادح فيقوم بالهجوم على قافلة كبيرة من الحجاج المسلمين وأخذ مافيها وأسر المسلمين, فصرخ الحجاج في " أرناط " يخبرونه بأنهم مجرد حجاج وليسوا مقاتلين فاستهزأ بهم قائلا : قولوا " لمحمدكم" أن يخلصكم.
ووصلت هذه الأخبار إلى صلاح الدين فاقسم ونذر نذرا أن يقتل أرناط بيده ثم ألغى الهدنة التي بينه وبين مملكة بيت المقدس واستنصر الناس للجهاد في سبيل الله والانتقام لحجاج بيت الله الحرام, وأرسل من فوره قوات لتأمين طريق الحجاج فمر باقي الحجاج بسلام وبدأ يهاجم حصن الكرك ويدمر ما حوله وفي نقس الوقت حاول اشغالهم متفرقة في فلسطين عن الجيش الكبير الذي أمر بتجهيزه في مصر. وبعد فترة قصيرة تم تجهيز الجيش المصري ورأس هذا الجيش العادل أخو صلاح.
وقام صلاح الدين – بدهاء القيادة – بارسال قوات من حلب نحو أنطاكية النصرانيه في شمال الشام وطلب إليهم مهاجمة أنطاكية, ولما قاربوا على الاشتباك مع قوات النصارى هناك, أرسل إليهم صلاح الدين يطلب الهدنة مع أنطاكيه فوافقوا على الهدنة وألقوا السلاح, وألقى أهل حلب السلاح كذلك. لقد ضمن صلاح الدين بذلك تحييد منطقة أنطاكيه عن دخول في نزاع معه أو لغدر به إذا مادخل في معركة فاصلة مع النصارى.
وفي هذه الأثناء وقع خلاف بين قادة النصارى في القدس, فأرسل صلاح الدين سرا إلى أحد قواد النصارى واسمه " ريموند " وقال له أنا مستعد لمساندتك فوافق "ريموند" على عرض صلاح الدين لقد أراد صلاح الدين أن يوقع الخلاف بين النصارى ولم تكن غايته مساعدتهم أو تقديم العون لهم, ثم إنه أرسل هجوما مباغتا إلى صفورية, وكان هذه المنطقة تتجمع فيه الجيوش النصرانية فباغتتهم القوات الإسلامية ليلا, وسقط معظم النصارى بين قتيل وأسير. سمع باقي النصارى بالخبر فشعروا بخطر شديد, فتجمع منهم 63 ألف مقاتل وأمروا عليهم ملكا واحد
هو " قاي لوس جنان" وأجمعوا أمرهم ونبذوا خلافتهم تحفزا لمعركة فاصلة مع صلاح الدين, تجمعوا في صفورية من جديد بعدما تركها صلاح الدين.
لم يكن من رأي صلاح الدين أن يهاجم النصارى في معركة واحدة في صفورية لأنها منطقة خصيبة تحيط بها المراعي والمياه فإذا توجه إليهم سيكون جيشهم متعبا وهم على استعداد وراحة لمواجهته, وقرر أن يختار مكان المعركة بنفسها فأجمع أمره وجعل يهاجم صفورية بقوات صغيرة وينسحب لاستدراجهم للخروج من هذه المنطقة لكنهم لم يخرجوا منها وعادوا لإرسال هجمات متفرقة عليهم ولكنهم لم يغيروا هذه المنطقة.
فتح طبرية:
حينها قرر صلاح الدين رحمه الله تغيير الخطة, فهجم على طبرية, و طبرية منطقة رئيسية جدأ وهامة عند النصارى, و الطريق بين صفورية و طبرية طريق وعرة جدأ وشاقة جدأ, فأراد أن يستدرجهم إليها, و قام صلاح الدين باقتحام قلعة طبرية في 2/7/1187 م . و لما رأى النصارى ذلك دب بينهم الخلاف فانقسموا, فكان فريق منهم يرى أنه لا يجوز ترك صلاح الدين يفتح الممالك النصرانية بينما هم جلوس أماكنهم , و رأى آخر أنه يريد جرهم إلى معركة في مكان يختاره هو, فاختاروا البقاء في مكانهم . و انتصر أخيراً رأي الغالبية بالتحرك نحو طبرية لمواجهة صلاح الدين , و تقدم جيش النصارى نحو طبرية في طريق وعرة جدأ, و في صيف شديد الحرارة, و لا توجد به أي ينابيع ماء تكفي لسقي جيش كبير مثل جيش النصارى, و لم يضيع صلاح الدين الوقت , بل قام بتجهيز كمائن و مجموعات في الطريق يهجمون على جيش النصارى المتقدم , فكان هذا مما أخر وصولهم, و زاد المشقة عليهم, لأن الماء الذي لديهم بدأ ينفد, و اشتد عليهم الحر و العطش , و ظل صلاح الدين يشن الغارات عليهم , و ينصب لهم الكمائن , ثم أمر بعض القوات الإسلامية أن تهجم على الجيش من خلفه , و فعلا شغلوا مؤخرة الجيش , فبقيت مؤخرة الجيش في قتال مع المهاجمة الإسلامية من الخلف , و استكر باقي الجيش بالتقدم , فانقسم جيش النصارى إلى مقدمة و مؤخرة , فاضطرت مقدمة لجيش لانتظار البقية خوفاً من أن تبدأ المعركة و لما تصل المؤخرة, فضربوا مخيمأ عند جبل طبرية المشرف على سهل حطين ينتظرون مؤخرة الجيش , و كان صلاح الدين قد ردم جميع الآبار في المنطقة التي يمر عليها جيش النصارى, و جعل جميع آبار المياه و بحيرة طبرية خلفه , و لما وصل جيش النصارى قال صلاح الدين قولته المشهورة : جاؤونا و نحن أولوا قوة و أولوا بأس شديد, وتجهز الجيشان للمعركة الفاصلة التي وصفت بأنها من أعظم معارك الإسلام, وهي معركة حطين .
تحقق النصر:
واستمر الضغط من الدائرة المسلمة المحيطة بالنصارى , حتى أحاطت بهم , واشتد القتل فيهم بالآلاف , وصار كثيرمنهم يستسلم للمسلمين , حتى قتل منهم يومها 30 ألفأ من أصل 63, و وصل عدد الأسرى المستسلمين إلى 30 ألفأ, و لم يبق من جيش النصارى سوى عدد قليل يقدر بـ 150 فارس مع ملك النصارى يحمونه ويدافعون عنه بكل شراسة , واجتمع هؤلاء الفرسان حول خيمة الملك على قمة الجبل , واستمات الفرسان في الدفاع , وكانوا من أقوى فرسان النصارى, حتى أنهم ردوا ثلاث هجمات متوالية للمسلمين , واستعصر أمرهم على الجيش المسلم , عندها قال صلاح الدين : و الله ما يستسلم هؤلاء إلا أن تسقط الخيمة ,فأمرهم بالتركيزعلى خيمة الملك , فبدأ المسلمون يتسللون من وراء الفرسان لإسقاط الخيمة , و فعلا وصلوا إليها فضربوا حبالها فسقطت على الملك , فعندها خارت عزائم النصارى واستسلموا , ولما رأى صلاح الدين سقوط الخيمة خر ساجداً باكيا لله رب العالمين فرحأ .وغنم المسلمون أموال النصارى وخيولهم وأسلحتهم , فكانت غنيمة عظيمة جداً و ارتفع صياح الناس بالتهليل والتكبير, وباتوا ليلتهم تلك في ذكر ودعاء و حمد لله تعالى , وتأملوا كيف نصرالله جيش المسلمين القليل الذي لم يتجاوز 12 ألفأ على جيش ضخم كثير العدة والعتاد كجيش النصارى الذي بلغ 63 ألفا .صلاح الل ين يهاجم حصون النصارى بعد حطين
أخلاقنا وأخلاقهم !
بعد هذا النصرالعظيم للمسلمين أمر صلاح الدين أن تنصب له خيمة في حطين فبات فيها مصليأ شاكرأ لله على هذه النعمة العظيمة وعلى هذا الفتح المبين , ثم في اليوم التالي أمر أن يؤتى بملوك النصارى الأسرى , فجاؤوه فأحسن استقبالهم وأكرمهم , و كان له كرسي كسرير كبير, فأجلس عليه "جايلودنال" ملك النصارى , وكان قربه "أرناط" صاحب حصن الكرك الذي غدر بالمسلمين عدة مرات و حاول غزو مكة والمدينة ، و الذي أقسم صلاح الدين أن يقتله بيده ، فجلس "أرناط" في مجلس صلاح الدين مع الملوك ثم أمر بماء فجلب له , فسقى الملك بيده فشر الملك نصف الإناء ثم دفع الباقي "لأرناط" فغضب صلاح الدين وقال : أنا لم آمر أن يشرب "أرناط" أنا أعطيت الإناء لك فقط ! .. ثم التفت إلى "أرناط" وقال ويحك كم تنكث؟ وكم تخلف وعودك ؟ فرد "أرناط" بكل خبث وتعجرف : لقد جرت عادة الملوك بذلك ، و الخيانة و الغدر سياسة يسطير بها الملوك على الشعوب .
يتبع بعون الله..