سلالة جديدة مِنْ أنفلونزا الخنازير المرض الذي قَتلَ بحدود 160 شخصا وأمرضَ أكثر مِن 2400 شخص في المكسيك وحدها التي اعتبرت مهد هذا الوباء المحتمل الذي سرعان ما انتشر إلى الولايات المتّحدةِ لتسجل اكثر من 66 حالة، وفي كندا، وأوربا، ونيوزيلاندا لتَرْتفع المخاوف من احتمال انتشار وباء عالمي لايمكن التكهن بتداعياته المختلفة بعد أن وصل للشرق الأوسط.
هذا المرض الوبائي الفيروسي يُسبّب قلقَاً بين الكوادر الصحيةِ والحكومات على نطاق عالمي في عالم كثرت فيه الأزمات الصحية والاقتصادية والسياسية والمناخية والاجتماعية .
ومن أوبئة الأنفلونزا السابقة وباء الأنفلونزا الإسبانيِ الذي بَدأَ في 1918 وكَانَ الأخطر في التاريخ. وقد اكتشف أولاً في الولايات المتّحدةِ، ولكن أصبحَ معروفاً باسم الأنفلونزا الإسبانية لأن التركيز الإعلاميَ الأكثرَ كان في إسبانيا أثناء الحرب العالمية الأولى. و إن أنفلونزا 1918 كانت من النوع المسمى إتش 1 أن 1 - وهو نوع مختلف عن وباء المكسيك حالياً - والذي ضَرب الشبابَ الأصحاء في الغالب وتسبب في قَتلَ حوالي 40 إلى 50 مليون شخصِ حول العالم في حينه.
ثم وباء 1957 الذي كَانَ معروفاً بالحُمى الآسيويةِ. وهو من النوع إتش 2 أن 2 وسجل أولاً في الصين.
وكانت هناك اثنتان مِنْ الموجاتِ المرضِية أثناء هذا الوباءِ؛ ضَربتْ الأولى الأطفالَ في الغالب بينما الثانيةَ أَثّرتْ على المسنينِ ، وسبّبَ الوباء حوالي 2 مليون وفاةَ عالمياً.
أما آخر وباءِ أنفلونزا، فهو المعروف بأنفلونزا هونغ كونغ، وكَانَ الأكثر اعتدالا مِن الأوبئةِ الثلاثة الماضية. وقد اكتشف المرض في هونغ كونغ في 1968 وانتشر عالمياً خلال السنتين التاليتين. وأكثر الناس الذين تأثروا بالفيروسِ هم المسنون. وتسبب في هلاك حوالي مليون شخص، وهو من النوع إتش 3 أن 2 أنفلونزا.
فما هو المرض الجديد للأنفلونزا؟
أنفلونزا الخنازيرِ هو مرض تنفسي يصيب الخنازير وقد عزلَ مِنْ الخنازيرِ أولاً في العام 1930، طبقاً لوكالة مكافحة ومنع الأمراضِ الأمريكية (سي دي سي). وإنّ المرضَ سببه أربعة أنواع مختلفِة من سلالات الأنفلونزا من النوع أ (A ) الذي يُمْكِن أَنْ تسبّب حالات التفشّي في الخنازيرِ، ومن تلك الأنواع الفرعية (إتش 1 أن1 / H1N1) و (إتش 3 أن 2 / H3N2) ويَبْدو هذا الأخير أكثر شيوعاً.
وإنّ معدلَ الوفيات بين الخنازير المصابة منخفضةُ، وأكثر الإصاباتِ تَحْدثُ في مواسم الخريف والشتاءِ. وتشمل أعراض الخنازير المُصَابةِ حُمَّى، وكآبة، مع سُعال على شكل نِباح أو قباع، وعَطْس، مع تنفّس بصعوبة، مع عيون حمراء أَو مُلتهَبة، وقلة في الشهيةِ للأكل، وإفرازات مِنْ الأنفِ والعيونِ.
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن سلالة فيروس أنفلونزا الخنازير، التي يعتقد أنها أدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص في المكسيك، تتغيّر بشكل سريع ويمكن أن تتحول لنمط أكثر خطورة.
والسلالة الجديدة من الأنفلونزا هي خليط من فيروسات أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور، والأنفلونزا التي تصيب الإنسان وتمثل خطرا كبيراً لانتشار وباء عالمي على نطاق واسع. لكن المنظمة أكدت أيضا بأنها تحتاج لمزيد من المعلومات عن أنفلونزا الخنازير هذه لتحديد ما إذا كان يجب الانتقال إلى مرحلة التحذير من خطر وباء عالمي محتمل الوقوع.
ونصحت منظمة الصحة دول العالم توخي الحذر والتعامل بجدية مع أي أعراض أنفلونزا غير عادية بين سكانها، وخاصة في أوساط الشباب والكبار.
ومن جهتها، شرعت دول كثيرة في إجراء مراقبة صحية للمسافرين في المطارات القادمين من المكسيك والولايات المتحدة.
بل إن بعض الدول سارعت في إصدار تحذيرات لمواطنيها بشأن السفر إلى المكسيك. وإضافة إلى إجراءات المراقبة الصحية في المطارات والموانئ بدأت حكومات العالم في توفير مضادات الفيروسات بكميات كبيرة.
وقد أعلنت كندا عددا من الإصابات، وفي اسبانيا تم اكتشاف أول حالات إصابة بالفيروس وكذلك في فرنسا ، وألمانيا، وفي وإسرائيل وغيرها، وقررت حكومات مثل الصين وروسيا وضع أي شخص لديه أعراض الفيروس قيد الحجر الصحي، كما زادت معظم الحكومات من إجراءات فحص واردات الخنازير من الأمريكتين أو فرضت عليها حظرا مؤقتا.
كَيفَ يُصاب الناس بالفيروس؟
أكثر الحالاتِ تَحْدثُ عند المرضى الذين عندهم اتصال مباشر بالخنازير. ولكن حصل في بعض الحالاتَ أن شخصاً مُصَابِاً نقل أنفلونزا الخنزير إلى الآخرين، بحسب وكالة (سي دي سي) ، التي أوردت أنه في 1988 عندما تفشّى الوباء في الخنازيرِ في ولاية ويسكونسن الأمريكية فأنه أدّى إلى الإصاباتِ الإنسانيةِ، وكان هناك دليل على أن مريضاً نقل الفيروسَ إلى عُمّالِ الرعاية الصحيةِ.
وحسب الإحصائيات المتوفرة فان حوالي حالةِ واحدة من أنفلونزا الخنزير في البشر كانت تسجل لدى وكالة (سي دي سي) كل سنه أو سنتينِ قبل العام 2005، ولكن مِنْ ديسمبر/كانون الأولِ 2005 إلى فبراير/شباط 2009، فقد تم تسجيل 12 حالة احضرت إلى الوكالةِ.
وطبقاً ل WebMD.com، فأن 11 مِنْ أولئك المصابين كَانَ عِنْدَهُمْ اتصال مباشر أَو غير مباشر بالخنازيرِ المُصَابةِ. وإن الإصابات المسجلة بين البشر أي (إنسان-إلى- إنسان) تحصل بطريقة مشابهة للطريقِة التي ينتقل فيها فايروسِ الأنفلونزا الموسميِّ الإنسانيِ من خلال السُعال، والعطاس أو من خلال التماس بالمصابين أو بأشياء المصابين بالفايروسِ.
ومما تجدر له الإشارة فإن الناس لا يصابون من خلال أكل لحمِ الخنزير أَو مُنتَجاتِ لحمِ الخنزير. بل يكفي طبخ لحم الخنزير (لمن يجوز لهم) إلى درجةِ حرارة داخليةِ تصل إلى 160 درجة فهرنهايتية والتي تعادل حوالي 71 درجة مئوية تقريباً كما جاء في توصيات منظمة الصحة العالمية، حيث تكفي هذه الحرارة لقتل الفيروس. ويوصى بلبس الكمامات الواقية وتجنب مناطق الزحام التي يشك فيها.
ما هي أعراض المرض؟
الأعراض مشابهة لتلك الأعراض الناتجة مِنْ فيروسِ الأنفلونزا الإنسانيِ المنتظمِ: كالحُمَّى، والخمول، وقلة الشهيةِ والسعال. وبعض الذين أُصيبوا بأنفلونزا الخنزيرَ كانوا يعانون أيضاً من أنف محتقن أو مزكوم ومن التهاب في الحنجرة وغثيان وتَقَيؤ وإسهال. وبنظرة مقربة، فأن العلامات التي تشير إلى احتمال الإصابة عند الأطفال تشمل سرعة التنفس أو صعوبته، ازرقاق لون الجلد، التقليل من شرب السوائل، صعوبة في الاستيقاظ، ، سرعة الانفعال، الغضب وعدم الرغبة في أن يلمس، ثم تحسن في أعراض الأنفلونزا ثم تسوء الحالة، مع حمى يصاحبها طفح جلدي. وعند البالغين تحصل صعوبة في التنفس مع ألم أو ضغط في الصدر، أو البطن وشعور مفاجئ بالدوار و شعور بالاضطراب والتشوش الذهني، وقيء شديد ومستمر.
كيف يُشخّصُ المرض؟
تؤخذ عينات تنفسية ضمن فترة الأربعة إلى خمسة أيامِ الأولى مِنْ الإصابة بالمرض، وعندما يكون الشخص المُصَاب على الأغلب ناشراً للفيروس. وعلى أية حال، فان بَعْض المرضى (مثل الأطفالِ)، قَدْ يستمرون بنشر الفيروسَ لفترة أطول تصل لعشرة أيامِ أَو أطولِ، طبقاً لوكالة سي دي سي، ويجب أنْ تُرسَل العينات إلى مختبر متخصص لكي تُميّز أنفلونزا الخنزيرِ من غيرها.
وهنا لابد من التأكيد على أن كشف الإصابة يتطلب فحوصا مخبرية للتركيبة الوراثية للفيروس لان أعراض الإصابة بالفيروس المسجلة في المكسيك غير محددة نسبيا وذلك لتعدد الأسباب التي تؤدي للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، علماً أن 10% فقط أو ربما أقل من حالات الوفاة بسبب أمراض الأنفلونزا هي التي يتم تحديدها وتعريفها على أنها حالة أنفلونزا، الأمر الذي يدل على صعوبة تحديد المسبب بشكل دقيق.
ولهذا السبب يقوم الخبراء في شتى أنحاء العالم على إجراء التحاليل المخبرية للمصابين بأعراض تشبه الأنفلونزا للتأكد من خلوهم من السلالة الجديدة لفيروس الخنازير.
أما فحص التركيبة الوراثية فيتطلب فحوصا مخبرية للحمض النووي لأن فيروس الأنفلونزا من نوع أ شبيه بسلالتين أخريين تتسببان بمرض الأنفلونزا الموسمية الشائعة كما هو الحال بالنسبة لفيروس أتش1 أن1 وهو إحدى السلالات الموسمية.
ولا يتضح كون الشخص المصاب بالأنفلونزا لديه هذا النوع الجديد غير المألوف من أنفلونزا الخنازير إلا بعد تتبع الحمض النووي. واللافت للنظر أن الفيروس الجديد ظهر في المكسيك وكندا والولايات المتحدة في أشخاص لا يوجد بينهم شيء مشترك على ما يبدو مما يدل على وجود سلسلة غير مسبوقة من العدوى البشرية، وهذا هو السبب -بحسب المختصين- الذي يجعل من المرض ظاهرة غير قابلة للاحتواء بسهولة. ويشار إلى أن هذه السلالة الجديدة هي تحديدا ما كان يخشاه الخبراء لكونها تتمتع بحمض نووي من أربع سلالات مختلفة من الأنفلونزا. وعلى الرغم من أنها -من الناحية الوراثية- أشبه ما تكون بفيروس أتش1 أن1 المسبب لأنفلونزا الخنازير، فإنها تحتوي على تسلسل أنفلونزا الطيور وأنفلونزا البشر في آن معا.
كيف يُعالجُ المرض؟
أربعة من المضادات الفيروسيةِ قد اجيزت لمُعَالَجَة المرضِ في الولايات المتّحدةِ وهي العقاقير: amantadine, rimantadine, oseltamivir وzanamivir. وأغلب الفيروساتِ تستجيب لكُلّ هذه الأربعة، ولكن وكالة سي دي سي توصي بالنوع oseltamivir حالياً أَو zanamivir لمُعَالَجَة ومَنْع إصاباتِ أنفلونزا الخنزيرِ.
ويَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ المضاد الفايروسي بأسرع ما يمكن عند ظهور أعراض المرض. وهنا لا نريد أن نوحي بأخذ هذه العقاقير من دون وصفة طبية أو من دون مراجعة للطبيب المختص لأن لها أعراضها وتأثيراتها الجانبية.
كما أن الدواء المسمى Tamiflu، هو إسم الجنس لoseltamivir، ويَبْدو فعّالاً ضدّ السلالة الجديدِة عندما يؤخذ مبكراً، كما جاء في تقرير وكالة سي دي سي الأمريكية. علماً بأنه لايوجد حالياً مصل بشري لأنفلونزا الخنزيرِ ، وقد يحتاج لشهور قبل تطوير لقاح ناجع، ولكن لِقاح الأنفلونزا المتوفر قَدْ يوفر بَعْض الحمايةِ ضدّ سلالة إتش 3 أن 2، ولَيسَ ضد سلالة إتش 1أن 1